كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال الغزالي‏:‏ قد أبان هذا الحديث أن محل القلب موضع الرب فيا عجباً ممن يهتم بوجهه الذي هو نظر الخلق فيغسله وينظفه من القذر والدنس ويزينه بما أمكن لئلا يطلع فيه مخلوق على عيب ولا يهتم بقلبه الذي هو محل نظر الخالق فيطهره ويزينه لئلا يطلع ربه على دنس أو غيره فيه انتهى‏.‏

- ‏(‏م‏)‏ في الأدب وغيره ‏(‏ه‏)‏ في الزهد ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ ورواه مسلم عنه أيضاً بلفظ إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم‏.‏

1833 - ‏(‏إن اللّه تعالى لا ينظر‏)‏ نظر مثوبة أو رحمة أو لطف أو عناية فعبر عن المعنى الكائن عند النظر به لأن من نظر إلى متواضع رحمه أو إلى منكر مقته وفي رواية للشيخين زيادة يوم القيامة ‏(‏إلى من يجر إزاره‏)‏ وفي رواية ثوبه أي يسبله إلى تحت كعبيه ‏(‏بطراً‏)‏ أي للكبر فهو حرام متوعد عليه بالثأر في عدة أخبار ويفهم منه أن جره إذ لم يكن بطراً لا يحرم بل يكره وسبل الإزار والسراويل والقميص والجبة ونحو ذلك مثله قال العراقي‏:‏ بل ورد في حديث دخول العمامة‏.‏

- ‏(‏م‏)‏ من حديث زياد ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ سمعت أبا هريرة ورأى رجلاً يجر إزاره فجعل يضرب على الأرض برجله وهو أمير على البحرين وهو يقول جاء الأمير قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إن اللّه تعالى الى أخره وظاهر صنيعه تفرد مسلم به عن صاحبه وهو وهم بل روياه معاً في اللباس وكذا مالك أخر الموطأ‏.‏

1834 - ‏(‏إن اللّه تعالى لا ينظر‏)‏ نظر رحمة ‏(‏إلى مسبل إزاره‏)‏ إلى أسفل الكعبين أي بطراً كما قيده به في الرواية الأولى فإسباله لا للبطر ولا للخيلاء مكروه لا حرام والكلام في إسبال لغير ضرورة، هذا في حق الرجل وأجمعوا على حل الإسبال للمرأة - وأما القدر المستحب في ما ينزل إليه طرف القميص والإزار فنصف الساقين والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين وأما الأحاديث المطلقة بأن ما تحت الكعبين في النار فالمراد به ما كان للخيلاء لأنه مطلق فوجب حمله على المقيد وبالجملة يكره كلما زاد على الحاجة المعتادة في اللباس من الطول والسعة وأجمع العلماء على جواز الإسبال للنساء وقد صح الإذن من النبي صلى اللّه عليه وسلم لهن في إرخاء ذيولهن ذراعاً - ‏(‏حم ن عن ابن عباس‏)‏‏.‏

1835 - ‏(‏إن اللّه تعالى لا ينظر‏)‏ نظر رحمة ‏(‏إلى من يخضب‏)‏ أي يغير لون شعر نحو لحيته أو رأسه لما ارتكبه من الغش والخديعة ‏(‏بالسواد يوم القيامة‏)‏ وهذا وعيد شديد يفيد التحريم وموضعه فيما لو خضبه به لغير الجهاد أما خضبه للجهاد فجائز وأخرج بالسواد غيره كصفرة فهو جائز بل مطلوب محبوب‏.‏

- ‏(‏ابن سعد‏)‏ في الطبقات ‏(‏عن عامر مرسلاً‏)‏ عامر في التابعين كثير فكان ينبغي تمييزه‏.‏

1836 - ‏(‏إن اللّه لا يهتك‏)‏ أي لا يرفع ‏(‏ستر عبد‏)‏ من عباده ‏(‏فيه مثقال ذرة من خير‏)‏ أي شيء قليل منه جداً بل يتفضل ‏[‏ص 279‏]‏ عليه بستر قبائحه في هذه الدار ومن ستره فيها لم يفضحه في يوم القرار كما جاء في عدة أخبار وقيل للفضيل‏:‏ إن قال لك ربك يوم القيامة ما غرك بربك الكريم ما تقول‏؟‏ قال‏:‏ أقول غرتني ستورك المرخاة‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز هتك اللّه ستر التاجر فضحه وقبحوهم فهتكوا أستارهم وتهتك في البطالة أعمل نفسه فيها ورجل متهتك لا يبالي بهتك ستره‏.‏

- ‏(‏عد عن أنس‏)‏ وفيه الربيع بن زيد وقال النسائي متروك وقال ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابع عليه ثم ساق له هذا الخبر فما أوهمه صنيع المصنف من أن مخرجه رواه وأقره غير صواب‏.‏

1837 - ‏(‏إن اللّه لا يؤاخذ المزَّاح‏)‏ أي الكثير المزاح الملاطف بالقول والفعل المازح ‏(‏الصادق في مزاحه‏)‏ أي الذي لا يشوب مزاحه بكذب أو بهتان بل يخرجه على ضرب من التورية ونحوها كقول المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لا يدخل الجنة عجوز وذلك الذي في عينه بياض ونحو ذلك‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن عائشة‏)‏ قضية كلام المصنف أنه لم يره مخرجاً لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الديلمي خرجه مسنداً باللفظ المزبور من حديث عائشة رضي اللّه تعالى عنها‏.‏

1838 - ‏(‏إن اللّه تعالى يؤيد هذا الدين‏)‏ دين الإسلام قال الحرالي‏:‏ والأيد تضعيف القوة الباطنة وقال الراغب‏:‏ الأيد القوة الشديدة ومنه قيل للأمير المعظم مؤيد ‏(‏بأقوام‏)‏ جمع قوم ‏(‏لا خلاق لهم‏)‏ أي لا أوصاف حميدة يتلبسون بها قال حجة الإسلام ومنهم عالم طالب للرياسة والقبول وإقامة الجاه ونيل الثروة والعز والوقار وهو في نفسه هالك ويصلح بسببه الدين والخلق إذا كان يدعو إلى رفض الدنيا ظاهراً وينشر الشريعة ويقيم نواميس الشعائر الدينية فهو ممقوت عند اللّه ويظن أنه عنده بمكان اهـ‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ العبد وإن وقع على يديه تأييد للدين ونفع للعباد بالإفتاء والتدريس والتأليف فهو جاهل بخاتمة أمره هذا إذا سلم حال حياته من نحو عجب وشفوف على الناس بعلمه وإلا فحاله ظاهر اهـ‏.‏

- ‏(‏ن حب عن أنس‏)‏ بن مالك ‏(‏حم طب عن أبي بكرة‏)‏ قال الحافظ العراقي أسناده جيد وقال الهيثمي رجال أحمد ثقات‏.‏

1839 - ‏(‏إن اللّه تعالى يباهي‏)‏ ملائكته ‏(‏بالطائفين‏)‏ بالكعبة أي يظهر لهم فعلهم ويعرفهم أنهم من أهل الحظوة لديه وأهل المباهات المفاخرة واللّه سبحانه منزه عنها فيؤول بما ذكر‏.‏

- ‏(‏حل هب‏)‏ وكذا الخطيب ‏(‏عن عائشة‏)‏ قال أبو نعيم لم يروه عن عطاء إلا عائذ بن بشير ولا عنه إلا محمد بن السماك اهـ وابن السماك قال ابن نمير ليس حديثه بشيء‏.‏

1840 - ‏(‏إن اللّه تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة‏)‏ أي الواقفين بها ثم بين تلك المباهات بقوله ‏(‏يقول انظروا إلى عبادي‏)‏ أي تأملوا حالهم وهيأتهم ‏(‏أتوني‏)‏ أي جاؤوا إلى بيتي إعظاماً لي وتقرباً لما يقربهم مني ‏(‏شعثاً‏)‏ أي متغيرين الأبدان والشعور والملابس لقلة تعهدهم بالأدهان والإصلاح والشعث الوسخ في بدن أو شعر ‏(‏غبراً‏)‏ أي من غير استحداد ولا تنظف قد ركبهم غبار الطريق قال في المطامح‏:‏ وذا يقتضي الغفران وعموم التكفير لأنه لا يباهي بالحاج إلا وقد تطهر من كل ذنب إذ لا تباهي الملائكة وهم مطهرون إلا بمطهر فينتج أن الحج يكفر حق الحق وحق الخلق حتى الكبائر والتبعات ولا حجر على اللّه في فضله ولا حق بالحقيقة لغيره وفيه أفضلية عرفة ‏[‏ص 280‏]‏ حتى على النحر وهو ما عليه الأكثر فلو قال أنت طالق في أفضل الأيام لم تطلق إلا يومه قال القاضي‏:‏ وإنما سمي الموقف عرفة لأنه نعت لإبراهيم عليه السلام فلما أبصره عرفه أو لأن جبريل كان يدور في المشاعر فلما رآه قال قد عرفت أو لأن آدم وحواء عليهما السلام التقيا فيه فتعارفا أو لأن الناس يتعارفون فيه‏.‏

- ‏(‏حم طب عن ابن عمرو‏)‏ ابن العاص ورواه الحاكم من حديث أبي هريرة بنحوه قال الهيثمي رجال أحمد موثوقون‏.‏

1841 - ‏(‏إن اللّه تعالى يباهي بالشاب‏)‏ هو الذي لم يصل إلى حد الكهولة ‏(‏العابد‏)‏ للّه تعالى ‏(‏الملائكة، يقول انظروا إلى عبدي‏)‏ هذا الشاب ‏(‏ترك شهوته من أجلي‏)‏ أي قهر نفسه فصام نهاره وقام ليله وشغل بالعبادة عن التبسط في الملاذ والتوسع في المطاعم والمشارب والملابس وكفها عن لذاتها ابتغاء لرضاي وأما أنتم أيها الملائكة فلا تقاسون تجرع مرارات مخالفة النفس والهوى لكونكم ليس في أحد منكم خلط ولا تركيب بل كل منكم وحداني الصفة مجبول على الطاعة‏.‏

- ‏(‏ابن السني‏)‏ في عمل يوم وليلة ‏(‏فر عن طلحة‏)‏ بن عبيد اللّه أحد العشرة المبشرة وفيه يحيى بن بسطام قال الذهبي في الضعفاء قال ابن حبان لا تحل الرواية عنه ويزيد بن زياد الشامي قال في الضعفاء قال البخاري منكر الحديث وقال النسائي متروك‏.‏

1842 - ‏(‏إن اللّه تعالى يبتلي‏)‏ أي يختبر ويمتحن ‏(‏عبده المؤمن‏)‏ القوي على احتمال ذلك ‏(‏بالسقم‏)‏ بضم فسكون أي المرض ‏(‏حتى يكفر عنه كل ذنب‏)‏ فيجب على العبد أن يشكر اللّه على البلاء لأنه في الحقيقة نعمة لا نقمة لأن عقوبة الدنيا منقطعة وعقوبة الآخرة دائمة ومن عجلت عقوبته في الدنيا لا يعاقب في العقبى قال القرطبي والمكفر بالمرض الصغائر بشرط الصبر أما الكافر فقد يزاد له بالبلاء في المال والولد وقد يخفف عنه به عقوبة غير الشرك‏.‏

قال العارف الجيلاني رضي اللّه تعالى عنه قد يقرب اللّه عبده المؤمن ويجتبيه ويفتح قبالة عين قلبه باب الرحمة والمنة والإنعام فيرى بقلبه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت من مطالعة الغيوب في ملك السماء والأرض ومن تقريب وكلام لطيف ووعد جميل ودلال وإدلال وإجابة دعاء وتصديق وعد وكلمات حكمة تومي إلى قلبه من بعد فتظهر على لسانه ويسبغ على قلبه نعمه الدنيوية والدينية ويديم ذلك عليه برهة حتى إذا اطمأن لذلك واغتر به وظن دوامه فتح عليه باباً من البلاء والمحن في نفسه وأهله وماله وقلبه فينقطع كلما كان فيه من نعيم فيبقى متحيراً حزيناً مكسوراً مقطوعاً به إن نظر إلى ظاهره رأى ما يسوؤه أو إلى قلبه وباطنه وجد ما يحزنه وإن سأل اللّه كشف ما به من البلاء لم ترج إجابته وإن طلب وعداً جميلاً لم يجده سريعاً وإن وعد بشيء لم يصل إليه وإن رأى رؤيا لم يظفر بتعبيرها وتصديقها وإن رام الرجوع إلى الخلق لم يجد إليه سبيلاً وإن عمل برخصة تسارع إليه العقاب وسلطت أيدي الخلائق على جسمه وألسنتهم على عرضه وإن طلب الإقالة لم يقل أو الرضى أو التنعم بما هو فيه من البلاء لم يعط وحينئذ تأخذ النفس في الذوبان والهوى في الزوال والأمان والإرادات في الرحيل والأكوان كلها في التلاشي ويدام ذلك عليه مدة حتى تفنى جميع أوصافه البشرية فإذا صار روحاً مجرداً تعطف الحق عليه يسمع النداء من باطنه ‏{‏اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب‏}‏ وحينئذ يمطر اللّه على قلبه ماء رحمته ورأفته ولطفه ومنته ويزيل عنه سائر البلاء ويطلق ألسنة خلقه بمدحه والثناء عليه وبذل له الرقاب وتسخر له الملوك والأرباب‏.‏

- ‏(‏طب عن جبير بن مطعم ك عن أبي هريرة‏)‏ قال الهيثمي في سند الطبراني عبد الرحمن بن معاوية ابن الحويرث ضعفه ابن معين ووثقه ابن حبان‏.‏

‏[‏ص 281‏]‏ 1843 - ‏(‏إن اللّه تعالى يبتلي‏)‏ أي يمتحن ويختبر ‏(‏العبد فيما أعطاه‏)‏ من الرزق ‏(‏فإن رضى بما قسم اللّه له‏)‏ أي بالذي قسم له منه أو بقسمة اللّه ‏(‏بورك له‏)‏ بالبناء للمفعول يعني بارك اللّه له فيه ‏(‏ووسعه‏)‏ عليه ‏(‏وإن لم يرضى‏)‏ به ‏(‏لم يبارك له‏)‏ فيه ‏(‏ولم يزده على ما كتب له‏)‏ أي قدر له في الأزل أو في بطن أمه لأن من لم يرض بالمقسوم كأنه سخط على ربه حيث لم يقسم له فوق ما قسم فاستحق حرمانه من البركة لكونه يرى نفسه أهلاً لأكثر مما قدر له واعترض على اللّه في حكمته‏.‏ قال بعضهم‏:‏ وهذا الداء قد كثر في أبناء الدنيا فترى أحدهم يحتقر ما قسم له ويقللّه ويقبحه ويعظم ما بيد غيره ويكثره ويحسنه ويجهد في المزيد دائماً فيذهب عمره وتنحل قواه ويهرم من كثرة الهم والتعب فيتعب بدنه ويفرق جبينه وتسود صفحته من كثرة الآثام بسبب الإنهماك في التحصيل مع أنه لا ينال إلا المقسوم فخرج من الدنيا مفلساً لا هو شاكر ولا نال ما طلب‏.‏

- ‏(‏حم و‏)‏ عبد الباقي ‏(‏ابن قانع‏)‏ في معجم الصحابة ‏(‏هب‏)‏ كلهم ‏(‏عن‏)‏ عبد اللّه بن الشخير ‏(‏عن رجل من بني سليم‏)‏ قال عبد اللّه‏:‏ لا أحبسه إلا رأى النبي صلى اللّه عليه وسلم وإبهام الصحابي غير قادح لأنهم كلهم عدل كما مر قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح

1844 - ‏(‏إن اللّه تعالى يبسط يده بالليل‏)‏ أي فيه ‏(‏ليتوب مسيء النهار‏)‏ مما اجترح فيه وهو إشارة إلى بسط يد الفضل والإنعام لا إلى الجارحة التي هي من لوازم الأجسام فالبسط في حقه عبارة عن التوسع في الجود والتنزه عن المنع عند اقتضاء الحكمة ‏(‏ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل‏)‏ يعني يقبل التوبة من العصاة ليلاً ونهاراً أي وقت كان فبسط اليد عبارة عن قبول التوبة ومن قبل توبته فداه بأهل الأديان يوم القيامة كما مر ويجيء في خبر وفيه تنبيه على سعة رحمة اللّه وكثرة تجاوزه عن المذنبين ولا يزال كذلك ‏(‏حتى تطلع الشمس من مغربها-قال النووي معناه يقبل التوبة من المسيئين نهاراً وليلاً حتى تطلع الشمس من مغربها ولا يختص قبولها بوقت وبسط اليد استعارة في قبول التوبة للمسيء وقال المناوي يعني يبسط يد الفضل والإنعام لا يد الجارحة فإنها من لوازم الأجسام فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق باب التوبة-‏)‏ فإذا طلعت منه غلق باب التوبة قال في المطامح‏:‏ ومن أنكر طلوعها من مغربها كفر وسمعت عن بعض أهل عصرنا أنه ينكره نعوذ باللّه من الخذلان انتهى وأنت خبير بأن جزمه بالتكفير لا يكاد يكون صحيحاً سيما في حق العامة لأنه لم يبلغ مبلغ المعلوم من الدين بالضرورة ومجرد وروده في أخبار صحاح لا يوجب التكفير فتدبر‏.‏

- ‏(‏حم م‏)‏ في التوبة ‏(‏عن أبي موسى‏)‏ الأشعري ورواه عنه أيضاً النسائي في التفسير ولم يخرجه اليخاري‏.‏

1845 - ‏(‏إن اللّه تعالى يبعث لهذه الأمة‏)‏ أي يقيض لها ‏(‏على رأس كل مئة سنة‏)‏ من الهجرة أو غيرها على ما سبق تقريره والمراد الرأس تقريباً ‏(‏من‏)‏ أي رجلاً أو أكثر ‏(‏يجدد-قال العلقمي معنى التجديد إحياء ما ندرس من العمل من الكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما واعلم أن المجدد إنما هو بغلبة الظن بقرائن أحواله والانتفاع بعلمه- لها دينها‏)‏ أي يبين السنة من البدعة ويكثر العلم وينصر ‏[‏ص 282‏]‏ أهله ويكسر أهل البدعة ويذلهم قالوا‏:‏ ولا يكون إلا عالماً بالعلوم الدينية الظاهرة والباطنة‏.‏ قال ابن كثير‏:‏ قد ادّعى كل قوم في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث والظاهر أنه يعم جملة من العلماء من كل طائفة وكل صنف من مفسر ومحدث وفقيه ونحوي ولغوي وغيرهم ومر تعيين المبعوث على كل قرن وأن المؤلف ذكر أنه المجدد التاسع وصرح به في قصيدة بقوله‏:‏

الحمد للّه العظيم المنه * المانح الفضل لأهل السنة * ثم الصلاة والسلام نلتمس

على نبي دينه لا يندرس * لقد أتى في خبر مشتهر * رواه كل عالم معتبر

بأنه في رأس كل مئة * يبعث ربنا لهذى الأمة * مناً عليها عالماً يجدد

دين الهدى لأنه مجتهد * فكان عند المئة الأولى عمر * خليفة العدل بإجماع وقر

والشافعي كان عند الثانية * لما له من العلوم السامية * وابن سريج ثالث الأئمة

والأشعري عده من أمّه * والباقلاني رابع أو سهل أو * الاسفرايني خلف قد حكوا

والخامس الحبر هو الغزالي * وعده ما فيه من جدال * والسادس الفخر الإمام الرازي

والرافعي مثله يوازي * والسايع الراقي إلى المراقي * ابن دقيق العيد بإتفاق

والثامن الحبر هو البلقيني * أو حافظ الأنام زين الدين * والشرط في ذلك أن تمضي المئة

وهو على حياته بين الفئة * يشار بالعلم إلى مقامه * وينصر السنة في كلامه

وأن يكون جامعاً لكل فن * أن يعم علمه أهل الزمن * وأن يكون في حديث قد ورى

من أهل بيت المصطفى وقد قوى * وكونه فرداً هو المشهور * قد نطق الحديث والجمهور

وهذه تاسعة المئين قد * أتت ولا يخلف ما الهادي وعد * وقد رجوت أنني المجدد

فيها بفضل اللّه ليس يجحد * وآخر المئين فيما يأتي * عيسى نبي اللّه ذو الآيات

يجدد الدين لهذي الأمة * وفي الصلاة بعضنا قد أمه * مقرر لشرعنا ويحكم

بحكمنا إذ في السماء يعلم * وبعده لم يبق من مجدد * ويرفع القرآن مثل ما بدى

وفي حديث لأبي داود منا أهل البيت أي لأن آل محمد صلى اللّه عليه وسلم كل تقي‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ في الملاحم ‏(‏ك‏)‏ في الفتن وصححه ‏(‏والبيهقي في‏)‏ كتاب ‏(‏المعرفة‏)‏ له كلهم ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال الزين العراقي وغيره سنده صحيح ومن ثم رمز المؤلف لصحته‏.‏

1846 - ‏(‏إن اللّه يبعث ريحاً من اليمن‏)‏ وفي رواية من الشام ولا تنافي أنها ريح شامية يمانية أو لأن مبدأها من حد الإقليمين ثم تصل للآخر وتنشر عنه وزعم أن اليمن بضم فسكون وأن المراد البركة يرده ذكر الشام في الرواية الأخرى ‏(‏ألين من الحرير‏)‏ في هذا الوصف إشارة إلى الرفق بالمؤمنين في قبض أرواحهم وفيه أن استعمال الريح في الشر غالبي لا كلي ‏(‏فلا تدع‏)‏ أي تترك ‏(‏أحداً في قلبه مثقال حبة‏)‏ في رواية ذرة ‏(‏من إيمان‏)‏ أي وزنها منه والمثقال معروف لكن ليس المراد به هنا حقيقته بل عبر به لأنه أقل ما يوزن به عادة غالباً ‏(‏إلا قبضته‏)‏ أي قبضت روحه بمعنى أنه يحصل قبضة مع هبوبها فلا ينافي أن القابض ملك الموت عليه السلام ولا يعارضه خبر لا تزال طائفة من أمتي إلخ لأن معناه حتى يقبضهم الريح الطيبة قرب القيامة وفيه أن الإيمان يزيد وينقص وأن المؤمنين يرفق بهم لكن هذا غالبي وإلا فكم من سعيد صعب عليه الموت وشقي سهل عليه‏.‏

- ‏(‏ك عن أبي هريرة‏)‏ وقال صحيح‏.‏

‏[‏ص 283‏]‏ 1847 - ‏(‏إن اللّه تعالى ببعض السائل الملحف‏)‏ أي الملح الملازم أخذاً من اللحاف الذي يشتمل به الإنسان ويتغطى به للزومه ما يغطيه ومنه لاحفه أي لازمه قال الحرالي‏:‏ هو لزوم ومدافعة في الشيء من حروف الحلق الذي هو انتهاء الخبر إلى الغاية كذلك اللحف هو انتهاء السؤال إلى الغاية انتهى وفي الفردوس قيل المراد هنا بالملحف من عنده غداء وهو يسأل العشاء وقد ذم اللّه تعالى السائل إلحافاً في ضمن ثنائه على ضده بقوله ‏{‏لا يسألون الناس إلحافاً‏}‏‏.‏

- ‏(‏حل عن أبي هريرة‏)‏ وفيه ورقاء فإن كان اليشكري فقد لينه ابن القطان والأسدي فقال يحيى ما كان بالذي يعتمد عليه وقد أوردهما معاً الذهبي في الضعفاء‏.‏

1848 - ‏(‏إن اللّه تعالى يبغض الطلاق‏)‏ أي قطع النكاح بلا عذر شرعي ‏(‏ويحب العتاق‏)‏ لما فيه من فك الرقبة وتثبت به من قال لا يحل الطلاق إلا لضرورة يعني عند قيام الحاجة إلى الخلاص وهو مذهب الحنفية وقال الشافعي هو مباح أصالة وقد تجري فيه الأحكام الخمسة‏.‏

- ‏(‏فر‏)‏ من جهة محمد بن الربيع عن أبيه عن حميد بن مكحول ‏(‏عن معاذ بن جبل‏)‏ قال السخاوي وهو ضعيف منقطع فمكحول لم يسمع معاذاً وحميد مجهول وقيل عنه عن مكحول عن خالد بن معدان عن معاذ وكلها ضعيفة والحمل فيه كما قال الجوزي على حميد‏.‏

1849 - ‏(‏إن اللّه تعالى يبغض البليغ من الرجال‏)‏ أي المظهر للتفصح تيهاً على الغير وتفاصحاً واستعلاء ووسيلة إلى الاقتدار على تصغير عظيم أو تعظيم حقير أو بقصد تعجيز غيره أو تزيين الباطل في صورة الحق أو عكسه أو إجلال الحكام له ووجاهته وقبول شفاعته فلا ينافي كون الجمال في اللسان ولا أن المروءة في البيان ولا أنه زينة من زينة الدنيا وبهاء من بهائها ولا يناقض هذا ‏{‏خلق الإنسان علمه البيان‏}‏ لأن جعله من نعم الوهاب آية أن موضع البغض ما كان على جهة الإعجاب والتعاظم فمن فهم تناقض الخبر والآية فقد وهم وإلى ذلك المعنى المراد يشير قوله ‏(‏الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة‏)‏ جماعة البقر ‏(‏بلسانها‏)‏ أي الذي يتشدق بلسانه كما تتشدق البقرة ووجه الشبه إدارة لسانه حول أسنانه وفمه حال التكلم كما تفعل البقرة بلسانها حال الأكل وخص البقرة من بين البهائم لأن سائرها تأخذ النبات بأسنانها والبقرة لا تحتش إلا بلسانها ذكره جمع أخذاً من قول التوربشتي ضرب للمعنى مثلاً يشاهده الراؤون من حال البقرة ليكون أثبت في الضمائر وذلك أن كل دابة تأخذ النبات بأسنانها والبقرة بلسانها يضرب بها المثل لأنهم كانوا في مغزاهم كالبقرة التي لا تستطيع أن تميز في رعيها بين الرطب والشوك والحلو والمر بل تلف الكل بلسانها لفاً فكذا هؤلاء لا يميزون في مأكلهم بين الحلال والحرام ‏{‏سماعون للكذب أكالون للسحت‏}‏ وقال القاضي‏:‏ شبه إدارة لسانه حول الأسنان والفم حال التكلم تفاصحاً بما يفعل البقر وما ذكر من أن الرواية يتخلل بخاء معجمة هو المشهور وفي بعض نسخ المصابيح يتجلل بالجيم قال القاضي فيكون تشبيهاً له في تكلمه بالهجر وفحش الكلام بالجلالة في تناول النجاسات، وبغض اللّه إرادته عقاب من أبغضه وإيقاع الهوان به قال الغزالي‏:‏ مر بعض السلف بقاص يدعو بسجع فقال له‏:‏ أعلى اللّه تتبالغ‏؟‏ ادع بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والإنطلاق‏.‏ قال في الأذكار‏:‏ فيكره التقعير في الكلام بالتشدق وتكلف السجع والفصاحة والتصنع بالمقامات التي يعتادها المتفاصحون وزخارف القول فكله من التكلف المذموم وكذا تحري دقائق الأعراب ووحشي اللغة حال مخاطبة العوام قال بعض العارفين‏:‏ لا تقاوم فصاحة الذات إعراب الكلمات ألا ترى كيف جعل اللّه موسى أفضل من أخيه عليهما السلام لفصاحة ذاته وكان هارون عليه السلام ‏[‏ص 284‏]‏ أفصح منه في نطقه وبلاغته ‏{‏اللّه أعلم حيث يجعل رسالته‏}‏ وللّه در القائل‏:‏

سر الفصاحة كامن في المعدن * لخصائص الأرواح لا للألسن

وقال‏:‏ يا من أعرب فما أغرب، وعبر فما غبر، وأثار المغنى، وما أنار المعنى، هل الجنان، لمن أصلح الجنان، أم لمن أتى بالإغراب في الإعراب‏؟‏ وقال بعضهم‏:‏

لسان فصيح معرب في كلامه * فيا ليته في موقف الحشر يسلم

وما ينفع الإعراب إن لم يكن تقى * وما ضرّ ذا تقوى لسان معجم